تشديد عقوبات التجسس.. قانون إيراني جديد يوسّع دائرة الإعدام ويضيّق هامش الحرية

تشديد عقوبات التجسس.. قانون إيراني جديد يوسّع دائرة الإعدام ويضيّق هامش الحرية
عقوبة الإعدام في إيران

بعد أسبوع من مصادقة مجلس صيانة الدستور الإيراني على قانون "تشديد عقوبات التجسس والتعاون مع النظام الصهيوني والدول المعادية"، نُشر النص الكامل للنسخة النهائية، كاشفاً عن تحول تشريعي غير مسبوق في منظومة العقوبات الأمنية في إيران.

القانون الذي يضم تسع مواد وسبع ملاحظات، لا يكتفي بتوسيع تعريف “العدو”، بل يدمج مفاهيم التجسس والمعارضة السياسية والنشاط الإعلامي في إطار واحد، لتصبح أي علاقة أو تواصل مع الخارج قابلة لأن تُفسّر كـ“خيانة”.

المعنى القانوني

ينص القانون الجديد في إيران على أن أي عمل عملياتي أو استخباراتي لصالح الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أي كيان تعتبره الدولة “معادياً”، يُعاقب بالإعدام ومصادرة الممتلكات.

لكنّ ما يثير القلق هو أن تعريف العمل العملياتي جاء فضفاضاً إلى حد يمكن أن يشمل أنشطة لا تمت بصلة إلى العمل الاستخباري التقليدي، مثل إحداث الرعب العام أو تعطيل البنى التحتية، وهي عبارات مطاطة يمكن تفسيرها سياسياً لتشمل حتى الاحتجاجات الشعبية أو التدوين الإلكتروني.

ووفقاً للخبراء القانونيين الإيرانيين، فإن هذا التوسّع في المفاهيم يجعل من القانون أداة قمع شاملة، إذ يُمكن للسلطات الأمنية اعتبار أي تواصل إعلامي أو بحث أكاديمي أو حتى مقابلة صحفية مع وسيلة أجنبية “تعاوناً مع العدو”.

عقوبة الموت حتى لمن ينشر صورة

المواد اللاحقة تكشف مدى شمولية القانون، فالمادة الثانية تعتبر أي نشاط اقتصادي أو مالي أو تقني يعزّز شرعية إسرائيل فعلاً يستوجب الإعدام، أما المادة الثالثة فتذهب أبعد من ذلك، إذ تفرض العقوبة ذاتها على من “يتعاون في تصنيع أو استخدام الطائرات المسيّرة أو الروبوتات أو تنفيذ هجمات إلكترونية لصالح الدول المعادية.

ويشمل ذلك، حسب نص القانون، حتى تلقي العملات الرقمية أو الأموال من جهات أجنبية يُعتقد أنها مرتبطة بالاستخبارات.

أما المادة الرابعة، التي تعدّ الأكثر جدلاً، فتربط النشاط الإعلامي والثقافي بالأمن القومي، فـ“إرسال صور أو أفلام إلى وسائل إعلام معادية” يُعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، إلى جانب الحرمان الدائم من الوظائف العامة.

وبناءً عليه، كل تواصل إعلامي خارج حدود المنصات الرسمية قد يتحول إلى تهمة جنائية.

الإنترنت في مرمى التشريع

القانون الجديد يذهب أيضاً نحو تضييق المساحات الرقمية بشكل صريح، فالمادة الخامسة تحظر استخدام أدوات الاتصال الفضائي، مثل ستارلينك، تحت طائلة السجن من ستة أشهر إلى عامين، وترتفع العقوبة إلى عشر سنوات إذا تم إنتاج أو توزيع هذه الأجهزة، بينما يمكن أن تصل إلى الإعدام إذا استُخدمت لأغراض معارضة النظام.

هذا التوجه يكشف، وفق محللين، عن رغبة واضحة في تقنين الحصار الرقمي ومنع أي اتصال حر بالمعلومات، خصوصاً بعد لجوء الإيرانيين إلى الإنترنت الفضائي أثناء الاحتجاجات الشعبية خلال عامي 2022 و2023 لتجاوز الرقابة الحكومية.

القضاء تحت وصاية الأمن

أحد الجوانب الأكثر خطورة في القانون الجديد يتمثل في المادتين السابعة والثامنة، إذ تنصان على أن القضايا المشمولة تُنظر في فروع خاصة من محكمة الثورة، أي في مسار قضائي استثنائي خارج النظام القضائي العادي، مع تقليص مدة الاعتراض من عشرين يوماً إلى عشرة أيام فقط.

كما يمنح القانون المحاكم صلاحية استكمال التحقيق “تعسفياً”، أي دون الالتزام بالإجراءات المعتادة.

بهذا الشكل، يُحكم إغلاق أي فرصة للدفاع القانوني المستقل، في وقت تُعتبر فيه محاكم الثورة الأداة القضائية الرئيسية في محاكمة النشطاء والصحفيين والمعارضين السياسيين منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

ردود الفعل الحقوقية

أثار نشر القانون موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية الإيرانية والدولية حيث وصفت منظمة العفو الدولية التشريع بأنه خطوة نحو شرعنة القمع بعقوبة الإعدام، معتبرة أنه يكرّس الغموض القانوني لتجريم حرية التعبير والمعارضة السلمية.

وأشارت إلى أن تعريف العدو والتعاون جاء مفتوحاً على تأويلات سياسية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الشرعية القانونية المنصوص عليه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي تعدّ إيران طرفاً فيه.

أما هيومن رايتس ووتش فرأت أن القانون يحمل بصمة الأجهزة الأمنية، واعتبرت أنه لا يهدف لحماية الأمن القومي بقدر ما يهدف لتمكين الدولة من إسكات الأصوات المستقلة، من الأكاديميين إلى الصحفيين مروراً بالمدافعين عن حقوق الإنسان.

وأعربت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في إيران عن قلقها العميق من أن التوسّع في تطبيق عقوبة الإعدام ليشمل الجرائم غير العنيفة يمثل تراجعاً خطيراً يتعارض مع التزامات طهران الدولية.

منطق العدو الدائم

يكرّس القانون الجديد منطقاً سياسياً قديماً في بنية النظام الإيراني، يقوم على فكرة العدو الدائم كمبرر لبقاء الدولة الأمنية.

فإلى جانب تعريف الولايات المتحدة وإسرائيل كعدوين دائمين، يمنح القانون المجلس الأعلى للأمن القومي صلاحية تحديد أو رفع صفة العداء عن دول أو جماعات أخرى، ما يعني أن تحديد من هو العدو ومن هو الصديق بات قراراً سياسياً أكثر منه قانونياً.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه يجعل الأمن القومي مفهوماً متحركاً يخضع لضرورات اللحظة السياسية، ما يسمح للسلطات باستخدامه ضد أي معارض داخلي بحجة التعاون مع طرف خارجي.

الجامعات والقانونيون يحذرون

في يوليو الماضي، حين كانت مسودة القانون قيد المناقشة، وقّع 75 من أساتذة الجامعات والمحامين الإيرانيين بياناً مفتوحاً وصفوا فيه المشروع بالكارثة التشريعية، مؤكدين أنه يدمّر أسس العدالة الجنائية ويحوّل القضاء إلى أداة في يد الأجهزة الأمنية.

البيان نبّه إلى أن تجريم الاتصال الخارجي في عصر الإنترنت والمعلومات يعني عملياً تجريم الحياة اليومية للمواطنين.

ورغم التحذيرات، مضت الحكومة والبرلمان قدماً، مبررين القانون بمواجهة الحرب الهجينة التي تخوضها الدول المعادية ضد إيران، في إشارة إلى نشاط المعارضة في الخارج والمنصات الإعلامية المستقلة.

سياق سياسي مشحون

يأتي هذا التشريع في لحظة توتر داخلي متزايد، فبعد احتجاجات 2022 التي قادتها نساء وشباب تحت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، شهدت البلاد موجة اعتقالات ومحاكمات سريعة طالت ناشطين وصحفيين وفنانين.

القانون الجديد، بحسب محللين إيرانيين، يشكّل “إطاراً قانونياً لتبرير الممارسات التي كانت تُنفذ سابقاً بقرارات أمنية غير معلنة”.

ويخشى مراقبون أن يُستخدم القانون لتوسيع الإعدامات السياسية التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في العامين الأخيرين، خاصة مع نقل مئات الملفات إلى محاكم الثورة بتهم التعاون مع العدو أو نشر الفوضى.

ويرى المراقبون أن إيران تسير بخطى متسارعة نحو تأطير الدولة الأمنية تشريعياً، بحيث يصبح القمع مؤسساً في القانون ذاته، لا مجرد ممارسة ميدانية، فمن تجريم الحجاب غير الكامل إلى معاقبة استخدام الإنترنت الفضائي، تتوسع بنية الرقابة لتشمل جميع مجالات الحياة العامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية